السبت، 16 فبراير 2013

السير في الطرقات بالمغرب


من الطبيعي أن يكون للسير في وقتنا الحاضر قانون يضبطه وينظمه بالقياس إلى ما كان عليه الحال في الماضي.أصبح السير في الطرقات،بوسائله الحديثة،يشكل خطرا كبيرا إلى حد تحولت فيه إلى ميدان للحرب أوما اصطلح على تسميته بلغة العصر بحرب الطرق،فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع عن إحصاءات لضحايا حوادث السير التي تؤدي بحياة الناس والحيوان وحتى الحديد بالرغم من بأسه الشديد..
والدولة عندنا أو من يقوم مقامها في هذا الصدد،كاللجن الوطنية للوقاية من حوادث السير لا تجد صعوبة في وضع قوائم لتحديد عدد الحوادث وما ينتج عنها من خسائر بشرية ومادية:من قتلى وجرحى ومعطوبين،أوفي تبرير وقوع هذه الكوارث؛ولكنها في مقابل ذلك،تجد صعوبة قصوى في البحث عن الحلول الناجعة للحد منها أو على الأقل التقليل منها..
وهي عند تحديدها لأسباب حوادث السير ترتكز على ثلاثة مصادرأساسية:الإنسان،وسيلة السير،الطريق.
أولا - الإنسان:
وتحتل الحوادث الصادرة عنه النسبة الكبرى(حوالي 70 بالمائة) حسب تقديرات التقارير المنجزة من طرف الإدارة العامة للأمن الوطني المغربية؛أي أن المسؤولية الأولى تعود للسائق:عدم التحكم في القيادة،السرعة المفرطةّ،عدم الوقوف الإجباري أمام علامة الوقوف،عدم احترام الأسبقية،...إلى غير ذلك من أسباب يطول ذكرها؛وبالطبع فإن جزءا من هذه النسبة تمثله فئة الراجلين لعدم انتباههم..
صحيح أن جزءا من المسؤولية يتحملها السائق لا شك في ذلك ولا جدال،ومع ذلك يبدو لي أن النسبة المشارإليها نسبة فضفاضة وتنقصها الدقة ما دامت تغض الطرف عن نسبة كبيرة من نماذج بشرية أخرى لها في هذه المعمعة اليد الطولى فيما يحدث من كوارث في الطرقات حتى وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة..ويمكن حصرها فيما يلي:
1- مدارس تعليم السياقة
وتعمد هذه المدارسالكوكوت مينوتية في خطاباتها الإشهارية إلى رفع شعارالجودة في التعلم وإتقان السياقة في أسرع وقت ممكن..وهدفها من ذلك ربح الوقت والمال بجلب مزيد من المترشحين وإخلاء المكان لآخرين من بعدهم،غالبية كل هؤلاء أميون،يسهر على تدريبهم معلمون امتهن معظمهم تعليم السياقة في غياب مؤهلات علمية وخبرات بيداغوجية تمكنهم من الإحاطة بفن وتقنية السياقة على المستويين النظري والتطبيقي تحت إشراف مدارس خاصة تنشأ لهذا الغرض حتى إنه ليصدق على هؤلاء وأولئك المثل القائلتمسك غريق بغريق...
وإذا أنت حاولت مساءلة هؤلاء عن الداعي إلى هذه العجلة والسرعة في التعليم والتدريس ومنح الرخص،ردوا عليكالتعلم يأتي مع المران،وهم يعنون بذلك أن الميدان الحقيقي لإتمام التعلم واكتساب الخبرة هو ما بعد الدراسة،أي بعد أن تتعدد المخالفات والكوارث وأخطار الطريق..
2 – الممتحنون وما نحوالرخص:
أما بخصوص الممتحنين(بكسرالحاء)والقائمين على منح الرخص بعد إجازة المترشحين،فلا تزال هناك بعض العادات غيرالمقبولة متجدرة في سلوكات البعض منهم:من تجاوز عن الأخطاء و تغاض عن الهفوات،والمحسوبية،والزبونية،بالإضافة إلى طريقة الامتحان ذاتها،والتي لا تزال تشوبها الشوائب على المستوى النظري والتطبيقي،مما يحول دون تكوين سائقين مهرة،قادرين على الإمساك بزمام القيادة على الوجه الأكمل والأمثل..
3- المراقبة الطرقية:
إن المسؤولين عن هذه المراقبة هم:الشرطة والدرك ورجال مراقبة الطرق.وهم جميعا يضطلعون بدور هام في مراقبة السير وتنظيمه وزجر المخالفين..وهي مراقبة تستوجب مزيدا من اليقظة مع الالتزام بالجدية والانضباط في العمل والنزاهة،بعيدا عن السقوط في الارتشاء وغياب الاستقلالية في اتخاذ القرار.
والحق أننا لا نزال نعاني منذ عهود من عقدة الخوف من المخزن أكثر مما نخاف على أنفسنا بأن نلقي بها في التهلكة،لأننا تلقينا تربية تحت إمرته على الطاعة العمياء..وإذا أردت أن تتأكد من صدق ما أقول،فما عليك إلا أن تراقب ما يجري في الطرقات عندنا:فعدد كبير من السائقين مثلا لا يتجنبون السرعة المفرطة ولا يخافون من التجاوز القانوني ولا يضعون حزام السلامة،وغير ذلك من المخالفات إلا في حضرةالمخزن وتحت أنظاره..
4 – الوسائل الإعلامية:
بما أن للوسائل الإعلامية دورا هاما في تشكيل وعي المواطن وبخاصة منها السمعية البصرية،فإنه لا ينبغي أن تقف عند حد إعطاء بيانات إخبارية وتقديم مواعظ وتوجيهات في موضوع السير،بل من الضرورة بمكان السهر على برمجة ندوات ولقاءات مع المهتمين،وإجراء استطلاعات،ونقل حي للوقائع من عين المكان،ومناقشة بنود قوانين السير مثلا في حلقات إّذاعية مع خبراء في هذا المجال..
5 – الجمعيات المهتمة:
إن إنشاء جمعيات مهتمة بمجال السير وممارستها لدورها بتنسيق مع اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير وكافة الهيئات المسؤولة لهو من المتطلبات الآنية في الظرفية الحالية،وذلك باعتبارها الأكثر قربا والتحاما بالفئات الجماهيرية بقصد التوعية بمخاطر الطريق وإعطاء دروس مجانية اعتمادا على وسائل تبليغية فاعلة..
6 – وزارة التربية الوطنية:
ودورها في هذا المجال يعتبر في اعتقادي أهم الأدوار على الإطلاق،فتنشئة الطفل وتعويده،منذ البداية،على كيفية السير في الطريق،وتحذيره من مخاطرها،وإطلاعه على المشاكل المعترضة،وكذا تلقينه بعضا من مبادئ قانون السير؛كل ذلك سيمكنه لا محالة من الوقوف مستقبلا على أرضية تمهد له السبيل لأن يتعلم فن السياقة بمهارة وإتقان في المدارس المعنية.
ومن ثمة،تقتضي الضرورة جعل السياقة وقوانينها محورا أساسيا عند صياغة المناهج التعليمية ووضع الخطط التربوية،عوض الاقتصار على إدراج موضوعات منها متفرقة هنا وهناك مثلا في المراجع العربية كالتلاوة المفسرة،وفي غيرها من المراجع الأجنبية..
هكذا إذن نفهم مما سبق أن إهمال إحدى العناصر التي أتينا على ذكرها يمثل بحق ثغرة كبيرة في ميدان السير بالمغرب حتى وإن لم تكن المسؤولية مباشرة كما أسلفنا؛وإن استحضارها ليصبح ملزما كلما حصلت حادثة من الحوادث بدلا من أن ننحي باللائمة على السائقين وحدهم...
ثانيا – الطريق:
العديد من الطرق المعبدة عندنا صالحة لان تسيرعليها الدواب؛فجزء كبير منها تتخلله الحفر والثقوب والنتوءات ومجاري المياه،وتآكلت جنباته،وانشقت سطوحه إلى حد استحالت فيه إلى عجائز شمطاوات ذبلت جلودهن وانسلخت بشرتهن ووهن منهن العظم ولم يعد بإمكانهن التماسك أو الصمود،ليس بفعل التقادم كما قد يحاول المسؤولون إيهام بعض السذج أو بعضا من ذوي النيات الحسنة،ولكن بفعل التلاعب بالخلطة الأولى لمواد بناء الطرقات..اللهم إلا إذا كانت هذه المسالك من بقايا العهود الاستعمارية،عندئذ بإمكاننا أن نقر بأن ذلك يعود إلى التقادم..
إن بناء الطرق لا يعني فقط شقها ثم تعبيدها،وإنما يعني أيضا تزويدها بعلامات تشوير كافية،وفي الأماكن المخصصة لها،مع إصلاح ما تردى وبلي منها.ولا يخفى على لبيب ما لهذه الإشارات الطرقية من أهمية قصوى باعتبارها وسائل توجيهية لإرشاد السائقين وتنبيه المارة،وغيابها يعني مزيدا من الحوادث والكوارث وبالتالي مزيدا من الخسائر المادية والبشرية..
ثالثا – السيارة:
إن الوضعية الميكانيكية للسيارة أو وسيلة السير،كالأعطاب التي تصيب المحرك والعجلات والأضواء وبعض قطع الغيار،كل ذلك من الأسباب المؤدية إلى وقوع حوادث السير.
وقد عمدت الدولة،والحالة هذه،إلى فرض إجراء فحوص إجبارية سنويا لكل سيارة تجاوت مدة استعمالها عشر سنوات.غير أن أسئلة عديدة يمكن طرحها في هذا المجال،نذكر منها:
- إذا كانت وسيلة السير التي تقل مدة استعمالها عن عشر سنوات لا تستوجب فحصا إجباريا كل سنة،فمن يضمن أن تكون صالحة للاستعمال طيلة المدة التي تفصلها عن الفترة القانونية للفحص؟
- ما مدى دقة وسلامة هذا الفحص في المغرب؟ ألا تخضع العملية في بعض مراكز الفحص إلى ما يسمى في لغتنا اليومية بـتغماض العين؟
- وحتى لو فرضنا أن الفحص كان دقيقا وتم بموجبه الإصلاح إثر اكتشاف أعطاب،فهل معنى حصولنا على تلك الورقة البرتقالية يدل دلالة واضحة على أن السيارة سليمة مائة في المائة،وستبقى كذلك طيلة السنة؟
والحق أن ما هو مطلوب في اعتقادي هو إصلاح العقليات أولا قبل إصلاح الأشياء والذوات..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق