الأحد، 17 مارس 2013

من هو المقاوم موحى اوحمو الزياني


موحا وحمو الزياني القائد والشهيد المقاوم

قبل المضي في استعراض الوجه التاريخي للقراءة الأخرى من حيث التقابل مع ما جاء في كتاب عبد الصادق الكلاوي عن والده الباشا التهامي لابد من إضافة نماذج أخرى لقواد عاشوا نفس الفترة وكانت لهم نفس السلط والمكانة وكذا الحظوة المخزنية والنفوذ وعاشوا نفس الظروف والواقع ومع ذلك لم يستسلموا لإغراء المصالح الذاتية والعائلية ولم تغريهم عروض وامتيازات المحتل الفرنسي الذي ظلوا واقفين في وجهه رافضين الانصياع مفضلين المقاومة والجهاد مفندين بذلك كل الادعاءات الواهية لتبرير تصرفات الذين انساقوا وأرغموا سكان مناطق نفوذهم على الانسياق ثم قادوهم في حملات عسكرية من أجل إخضاع القبائل التي ظلت رافضة للوجود الفرنسي ومن أجل تكسير صمودها وإرغام قيادها على الاستسلام أو التفاوض من أجل ذلك··
من بين هؤلاء القياد الذين وقفوا في وجه المحتل ودافعوا حتى النهاية عن وطنهم وشرف قبائلهم صديق ورفيق قائد الحلقة الفارطة من هذه السلسلة موحى وسعيد ونعني به القائد الشهير بطل معركة الهري موحا وحمو الزياني· هذا الرجل الذي عينه السلطان الحسن الأول سنة 1877 قائدا على قبائل زيان وعمره لايتجاوز العشرين سنة يصفه الاستاذ عبد الحق المريني في مقالة بمجلة المشاهد عدد يناير 1960 تحت عنوان >تاريخ ما أهمله التاريخ< بقوله: >الجندي الماهر والفارس المغوار (···) القائد المحنك والحاكم العادل ومحرر الأطلس المغربي الكبير (···) لما عزمت فرنسا على دس الأطلس الكبير بحفير خيولها أعد موحا وحمو عدته وتأهب للطراء فرتب جيشه كتيبة كتيبة (···) وصار ينازل خصومه حيثما وجدهم (···) وكتب الفوز لموحا وحمو على أعدائه (···) ولكن ما لبث العدو المرتجف أن طلب النجدة (···) فوصلت النجدات إثر النجدات فأفرغ موحا وحمو القصبة واعتصم بالجبل وبدأ يشن من أعلاه الغارات فكان رد الفعل قويا حيث أمطر العدو الجبل بالنيران من أعلى طائراته<·
وبالنسبة لصاحب مخطوط >كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر< الفقيه أحمد بن قاسم المنصوري فالمعني باسم موحا وحمو هو القائد محمد وحمو بن عقى بن أحمد المدعو أمحزون بن موسى ليصفه بأنه: >قائد طلع في زمان الدولة الحسنية (···) إن حمل السلاح فللأمن والإصلاح وإن قاد الجحافل فكأنما يختال في المحافل ثم هو فارس تلك القبائل لما مدت فرنسا لصيدها الحبائل فقد كان في وجهها سدا وأولاها عنادا وصدا (···) وظل أمره يعلو وسعره بين هاتك القبائل يغلو من يوم توليته القيادة الزيانية حتى وافته الشهادة المنية وهي غاية الأمنية صبيحة الأحد سابع وعشرين رجب 1339 موافق 27 مارس 1921<·
حاول الفرنسيون في بداية الأمر وبعد بعض المناوشات العسكرية استمالة موحا وحمو بمغريات كثيرة خاصة بعد وقوفهم على اصراره دأبه على المقاومة وقد صرح بعض مؤرخيهم الضباط ـ كما يقول بذلك المنصوري ـ بأن >الفرنسيين لم يكونوا يحسبون لأي أحد حسابا في جميع هذه النواحي إلا لمحمد وحمو< ثم يضيف: >مما حيرت الرئيس الأكبر بمعسكر مكناس· فجعل يستميل محمد وحمو بمسليات ومغريات كتابة ورسلا لعله يستغني بها عن استعمال القوة< إلى أن يقول: >للأسباب الآنفة الذكر رأى رئيس المعسكر بمكناس أن يتخذ طريقة أخرى، وهي أن بعث بوفد بربري يرأسه قائد بربري شهير، فوجه له القائد ادريس ورحو المطيري قائد بني مطير والحاجب وكان إذ ذاك هو أشهر من يشار إليه بناحية مكناس، جاء هذا القائد في وفد عظيم في هز وبز بخيول مطهمة في السروج المزركشة، يصحب هدايا نفيسة وثمينة فتذلف وتملق وفتل في الحبل والغارب ولكنه لم يفلح ورجع على أدراجه بدون طائل >كما يشير محقق مخطوط المنصوري الاستاذ محمد بن لحسن بأن المارشال ليوطي حاول قبل الجنرال هنريس رئيس معسكر مكناس استمالة القائد الزياني بواسطة شخصيات مرموقة في جهاز المخزن المغربي وخاصة الوزير ادريس البوكلي وباشا مدينة أبي الجعد الحاج ادريس الشرقاوي وغيرهم·
بعد استنفاذ قادة الاحتلال الفرنسي لكل محاولات إغراء موحا وحمو واستمالته جهزوا جيوشهم وانخرطوا في حروب ضده كبدهم خلالها الكثير من الخسائر وهزمهم في أكثر من موقع أشهرها معركة الهري يوم 13 نونبر 1914 التي صرح المقيم العام الفرنسي بأن خسائر الجيش الفرنسي فيها كانت: >33 قتيلا من الضباط و 650 قتيلا من الجنود و 176 جريحا< كما سجل الجنرال كيوم في تمت قواتنا قط في شمال افريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة·· >كما سجل غوي مارتيني Guy Martinet أستاذ التاريخ بالمدرسة الفرنسية للبحرية عن هذه المعركة: >عند بداية نونبر 1914 أقام موحا وحمو مخيمه بالهري على بعد 20 كلم جنوب خنيفرة··· ولأجل مباغتته هناك غادر الكولونيل لافيردور Laverdure خنيفرة يوم 13 نونبر في الثانية والنصف صباحا في سرية تامة على رأس قوات مكونة من 43 ضابط و 1230 جنديا قسمها إلى أربع فرق فاجأ بها في هجوم سريع على الساعة السادسة والنصف صباحا مخيم موحا وحمو الذي نجح منذ البداية في الانفلات من العدوان ليستنفر مقاتليه من رجال قبيلة اشقرى وآيت اسحاق ويعيد تنظيمهم بحديدية لحصار الفرق العسكرية القادمة من خنيفرة ثم القيام بهجومات من الجهة الغربية والجهة الجنوبية، وقد كان انتصار موحا وحمو على لافردور قاسيا حيث قتل 33 ضابطا و 580 جنديا فرنسيا (···) وقد تمكن الفرنسيون من سحب 179 جريحا وبضع مئات من الرجال··· في هذه المعركة غنم موحا وحمو ثمانية مدافع وعشرة مدافع رشاشة وكثير من البنادق·· بين القتلى الفرنسيين كان هناك الكولونيل لافيردور وثلاثة ضباط برتبة رائد وتسعة برتبة قبطان وثلاثة عشر برتبة ملازم وثلاثة أطباء وضباط إداريون· وسيبقى موحا وحمو سيدا على هضبة في عمق عدة كلمترات (··) بعد كارثة الهري سيفضل الجنرال ليوطي إلغاء العمليات العسكرية (···) كرجل للتقاليد العليا سيستأنف موحا وحمو على رأس المخلصين له من فرسان زيان الهجمات إلى أن سيقتل وسلامه في يده بتويكلت يوم 27 مارس 1921···<
يصف غوي مارتيني موحا وحمو بأنه: >رجل حرب قائد فرسان زيان المخيفين اشتهر خلال الدفاع عن الأطلس المتوسط في بدايات القرن العشرين هذا المقاوم المستحيل ترويضه أنزل بفرنسا أكبر كارثة خلال كل ملحمتها الاستعمارية لازال الناس يتغنون به في الجبال وذكراه دائمة جبة هناك··· هذا المقاتل الشهير والشرس الذي برز وهو في العشرين من عمره حين خلف أخاه سنة 1883 على رأس قبيلته القوة في نواحي خنيفرة (··) فارس بدون مثيل بجسده المرن ونظراته الحادة المشتعلة·· سيفرض نفسه على كل زيان منذ 1885 قائد عسكري محنك ومهاب ورجل ميدان بارع سيعين من طرف السلطان مولاي الحسن الأول قائدا سنة 1886<·
طبعا لو جارينا الكتابات حول هذا البطل لما كانت هذه السلسة برمتها كافية لعرض ذلك هذا البطل الذي نجده حاضرا بكل ثقله الجهادي في العديد من مذكرات ضباط الجيش الفرنسي وكثير من كتابات المراسلين الصحفيين والمؤرخين الفرنسيين وغيرهم·
سبق وأثرناها بين قياد أبطال رفضوا الانصياع وقياد آخرين انحازوا إلى المستعمر ويحاول البعض إيجاد تبريرات لذلك الانحياز وإعطاء الوقائع تفسيرات أخرى من خلال قراءات لا نناقش منطلقاتها أو أهدافها بقدر ما نثير الأوجه الأخرى للحدث وللوقائع من خلال شخوص تمنح للمقارنة شقها المشرق وطرفها اللامع·
إعداد: محمد جنبوبي
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق